نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين تكون الطموحات أكبر من القدرات - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 12:52 صباحاً
وتتجلى هذه الظاهرة في هوس بعض الأفراد بالمظاهر على حساب الجوهر.
فبدل أن يثبت المرء نفسه بإنجاز أو خبرة، ينشغل بلقب أو شهادة أو دعوة إلى محفل كبير، أو بإنجاز ورقي لا يترجم إلى أثر ملموس. وهكذا يغدو الشكل غاية بحد ذاته، بينما تزاح الكفاءة التي يفترض أن تقود المؤسسات إلى الهامش.
ومن أبرز صور هذا الانشغال، السباق وراء الشهادات العليا دون استحقاق علمي راسخ. يراكم بعض الأفراد أوراقا ودرجات، لكن ممارستهم تظل سطحية، أقرب إلى الاستعراض منها إلى البحث والإبداع. وغالبا ما تتحول هذه الشهادات إلى بطاقة مرور نحو منصب إداري أو موقع وظيفي، فيما تفرغ المؤسسة الأكاديمية أو المهنية من رسالتها في إنتاج المعرفة وخدمة المجتمع.
وفي مسار موازٍ، يلجأ آخرون إلى التسلق على الدين أو القبيلة بوصفهما منصتين جاهزتين للشرعية الاجتماعية. فيسعى بعضهم إلى ألقاب دينية أو قبلية ليحيط نفسه بهالة من القداسة أو الزعامة، لا لأن المجتمع بحاجة إلى قيادته، بل لأن في داخله فراغا يسعى لتعويضه. وعندما يستغل الدين أو القبيلة لتضخيم الذات، أو يستغل بعض رجال الأعمال محدثي النعمة ثرواتهم لنيل النفوذ، تتحول هذه المنصات إلى وسيلة للمصالح الشخصية.
كما يتسرب هذا الداء إلى الوسط الإعلامي والثقافي. إذ يتهافت بعض الوجوه على المؤتمرات والندوات والمناسبات لا ليضيفوا قيمة فكرية أو إبداعية، بل ليحصدوا عدسات التصوير ويتصدروا الصفحات. ويقاس الحضور عند هؤلاء بعدد الصور والمنابر، لا بعمق الفكرة ولا بأثر الكلمة. وهكذا يتحول المشهد الثقافي إلى سباق على المقاعد الأمامية واللقطات الإعلامية، بدل أن يكون ساحة لإنتاج الفكر وتنوير العقول.
والنتيجة أن المؤسسات الاجتماعية والرسمية تتحول إلى ساحات استعراض لا ميادين مسؤولية، حيث تبنى القرارات لحماية الصورة لا لتحقيق المصلحة. ومع مرور الوقت، يتآكل رصيد الثقة في هذه المؤسسات، ويغدو المجتمع أكثر ارتباكا وأقل إيمانا بقيمة العمل الجاد.
إن المجتمعات لا تنهض بالزهو الكاذب ولا بالمظاهر المزخرفة، بل بالجدية في اختيار شخصيات مؤهلة قادرة على حمل الأمانة. وهذه مسؤولية القيادات العليا من جهة، ومسؤولية المجتمع من جهة أخرى، حتى لا يدفع بـ"الدراويش" إلى الواجهة. فأما الطموحات المنفصلة عن القدرات، فإنها لا تصنع قادة، بل تصنع أقنعة مؤقتة سرعان ما تنكشف عند أول اختبار. فالمناصب والشهادات والألقاب لا تمنح الإنسان قيمته، بل الإنسان هو الذي يمنحها معناها. ومن واجب الإنسان أن يعرف مكامن ضعفه لكي يطور قدراته ومهاراته، وإن لم يستطع، فليتحل بالشجاعة ليعترف بحدود طاقته، فمن عرف نفسه أراحها وأراح من حوله.
NALtbinawi@
0 تعليق