التعليم.. مدخلات تلمع، ومخرجات تفجع - أقرأ 24

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التعليم.. مدخلات تلمع، ومخرجات تفجع - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 12:52 صباحاً


لم يعد الحديث عن جودة التعليم مجرد رفاهية، بل أصبح قضية مصيرية تمس حاضر المجتمع ومستقبله. غير أن ما نراه اليوم هو فجوة عميقة بين صناع القرار في المكاتب العليا وبين الميدان التعليمي المزدحم بالطلاب والمعلمين. هذه الفجوة ليست مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل انعكست على جوهر العملية التعليمية، فتحول التقييم إلى عملية شكلية أشبه بخطوط الإنتاج في المصانع، بينما جوهر التعليم مختلف تماما.

التعليم وجد ليبني الإنسان ويمنحه أدوات التفكير والمهارة، لكن حين يختزل في قياس الشواهد والوثائق التي يقدمها المعلم بدلا من أثره على الطالب، يصبح التقييم شكلا بلا مضمون. الهدف الحقيقي للقياس هو معرفة أثر التعليم على المتعلم، فإذا تحول إلى مجرد رصد للمدخلات دون النظر للمخرجات فقدنا البوصلة، وبدأ المعلم يركز على زخرفة أوراقه بدلا من صقل عقول طلابه.

كيف ننتظر من معلم يواجه أكثر من خمسين طالبا في فصل ضيق، بالكاد يجد فيه مساحة للتحرك، أن يترك أثرا حقيقيا في طلابه؟ كيف لمعلم ابتدائي أن يدرب تلميذا صغيرا على الكتابة وهو لا يملك من وقت الحصة سوى دقائق معدودة يتقاسمها مع عشرات آخرين؟ وكيف نقارن بين معلم مثقل بـ24 حصة، بين تدريس وتصحيح ومناوبة وانتظار، بمعلم آخر نصف نصابه فارغ يملك متسعا من الوقت لتصوير شواهد وتوثيقها في قوالب مزخرفة؟

إن المعضلة هنا لا تكمن في قدرات المعلم ولا في إخلاصه، بل في نظام تقييم يستهلك جهده فيما لا ينعكس على الطالب. إنها معضلة تهدر الطاقات في ميدان التعليم، وتخلق فجوة أوسع بين الهدف المعلن (تحسين المخرجات) والواقع المعاش (انشغال بالمدخلات).

وفوق ذلك، يزيد هذا الخلل في التقييم من تعميق الفوارق الطبقية التي يفترض بالتعليم أن يردمها. أبناء الأسر الميسورة يجدون مكانهم في المدارس الأهلية والعالمية برسوم باهظة تضمن لهم تعليما جيدا وفرصا واسعة للوصول إلى تخصصات جامعية مرموقة ومناصب عليا. بينما أبناء ذوي الدخل المحدود يتزاحمون في بيئات تعليمية منهكة، بمخرجات أضعف وفرص أقل، فيتوارثون موقعهم الاجتماعي جيلا بعد جيل. وهكذا يصبح التعليم أداة لزيادة الفجوة لا لردمها، ومشكلة بدل أن يكون حلا.

لقد آن للمؤسسات التعليمية أن تعود إلى جوهر رسالتها: توفير بيئة تعليمية عادلة ومناسبة للطالب والمعلم على حد سواء. بيئة تتيح للمعلم أن يبدع في صفه، وللطالب أن يتلقى تعليما يغير واقعه ويمنحه فرصة حقيقية للتنافس. فالتركيز على الشكل دون المضمون، وعلى الشواهد بدل الأثر، لن يقود إلا إلى مزيد من الدوران في حلقة مفرغة، بينما يظل الهدف الأسمى للتعليم غائبا: بناء إنسان منتج قادر على قيادة نفسه ومجتمعه نحو مستقبل أفضل.

aziz33@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق