أطفالنا بين يدي الشاشة... من يربي من؟ - أقرأ 24

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أطفالنا بين يدي الشاشة... من يربي من؟ - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 12:52 صباحاً


لم يعد الطفل اليوم يجلس على ركبة أمه ليتعلم أولى كلماته، بل يجلس أمام شاشة مضيئة تلقنه دون استئذان.

ولم يعد العالم الخارجي هو ساحة اكتشافه الأولى، بل صار الهاتف الذكي نافذته إلى الكون بأسره. وبينما كان الأهل قديما يخشون على أطفالهم من رفقاء السوء في الحي، بات الخوف اليوم من رفقاء مجهولين يطلون عبر نافذة الإنترنت في أي لحظة.

لقد فرضت ثورة المعلوماتية واقعا جديدا قلب موازين التربية رأسا على عقب. فلم تعد مهمة الأسرة تقتصر على إطعام الطفل وتعليمه، بل أصبحت تشمل ترشيد نقراته، وضبط ساعاته أمام الشاشة، وحماية عقله من فيض هائل من الصور والأخبار والمحتويات التي لا يميز فيها بين حق وزيف. وفي غياب التوجيه، يتحول الفضاء الرقمي إلى غابة مفتوحة يتعلم فيها الطفل قيما وسلوكيات قد لا تمت بصلة إلى ثقافته ودينه وأخلاقه.

تشير تقارير تربوية حديثة إلى أن الطفل يقضي في المتوسط من أربع إلى ست ساعات يوميا أمام الأجهزة الذكية، وهو وقت يفوق غالبا ما يقضيه في التفاعل مع والديه أو أقرانه. وهذا الخلل يترك أثرا مباشرا على النمو النفسي والاجتماعي، حيث يضعف مهارات التواصل الواقعي، ويزيد من الميل إلى العزلة، بل قد يسبب التوتر والاندفاع في السلوك. والأدهى أن بعض الدراسات ربطت بين الإفراط في استخدام الشاشات وتراجع التحصيل الدراسي، وقلة التركيز، وضعف القدرة على الإبداع.

ومع ذلك، فإن الحل لا يكمن في حظر التقنية أو منعها منعا كاملا؛ فهذا غير واقعي في عصر صار فيه التعليم والعمل والتواصل مبنيا على التكنولوجيا.

وإنما المطلوب هو تربية رقمية واعية، تجعل الطفل يستخدم التقنية لا أن تسيطر عليه. ويمكن للأسرة أن تبدأ بخطوات عملية مثل: وضع اتفاقيات زمنية واضحة لاستخدام الشاشات، مشاركة الأبناء في مشاهدة البرامج التعليمية أو الوثائقية بدلا من تركهم وحدهم، وتوفير بدائل ممتعة كالرياضة والقراءة والرسم والأنشطة الجماعية.

غير أن كل هذه الجهود ستظل ناقصة ما لم يرَ الطفل أمامه قدوة حية. فالطفل يتعلم بالمشاهدة أكثر مما يتعلم بالنصيحة. فإذا رأى والديه يستخدمان التقنية باعتدال، يقرآن عبرها، ويبدعان من خلالها، فإنه سينشأ على النهج نفسه. أما إذا كان البيت غارقا في الصمت، لا يجمع أفراده سوى وهج الشاشات، فإن الصغير سيكبر أسيرا للتمرير اللانهائي.

إن أطفالنا لا يحتاجون إلى الانغلاق على العالم الرقمي، بقدر ما يحتاجون إلى وعي يفتح لهم الطريق لاستخدامه بذكاء. فالتربية اليوم ليست مجرد متابعة للطفل، بل إعداد جيل قادر على أن يعيش في العصر الرقمي بعقل ناقد وقلب متوازن، جيل يعرف كيف يواجه العالم الرقمي بدل أن يضيع فيه. وإنها لمسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، حتى لا نصحو على جيل يعرف كل شيء عن العالم... إلا كيف يعيش فيه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق