التقنية منحة أو محنة! - أقرأ 24

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التقنية منحة أو محنة! - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 12:52 صباحاً


التحول الرقمي لم يعد خيارا، بل شرط للبقاء على قيد الإتقان والإبداع! فمن خلاله استطاعت المنظمات ضبط الحوكمة، وتحسين الكفاءة التشغيلية، ودعم اتخاذ القرار، والقدرة الفاعلة على التكيف مع المتغيرات والتطلعات، وتمكين الإبداع والابتكار؛ مما يسهم في تعزيز رضا المستفيدين ورفع مستوى جودة حياتهم.

ومع إيماننا العميق بأهمية التحول الرقمي وأثره، إلا أننا ندرك أيضا أنه وسيلة لا غاية، فمن ولجه بحكمة قطف ثماره، ومن دخله متخبطا ذاق مرارته وويلاته، ولذا قد تبذل المنظمات الكثير من الجهود والأوقات، وتضخ الملايين من الريالات سنويا في رحلتها للتحول الرقمي، إلا أنها وللأسف قد لا تفلح في آخر المطاف، إذ وجدت شركة الأبحاث العالمية (IDC) أن 59% من المنظمات عالقة في «مأزق رقمي»، كما أكدت (Bitkom)، وهي جمعية رقمية ألمانية تمثل أكثر من 2200 شركة في الاقتصاد الرقمي، أن نحو 75% من المشاريع التقنية لا تحقق الأهداف المرجوة.

وحتى لا نكون ضحية لهذا المأزق الرقمي، أورد هنا بعض الأخطاء الشائعة عند تطبيق حل تقني على شريحة واسعة:

  • ضعف التخطيط أو غياب الإدارة الفاعلة للمشروع الرقمي. فمثلا ضخت وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من مليار دولار في تطوير نظام لتخطيط وإدارة الموارد المؤسسية (ERP System) عام 2012، إلا أن هذا النظام لم يرَ النور بسبب سوء التخطيط وإدارة المشروع. وبالمثل، فإن 80% من الموظفين الحكوميين في كندا واجهوا مشاكل فنية عند إطلاق نظام رواتب الحكومة الفدرالية الكندية (Phoenix Pay System) عام 2018.
  • عدم جاهزية البنية التحتية التقنية. فعلى سبيل المثال، أطلقت وزارة التعليم النيوزيلندية عام 2002 مشروع «Novopay» لإدارة رواتب المعلمين، دون التحقق من التوافق مع مكونات البنية التحتية التقنية؛ مما أدى إلى الإخفاق في صرف رواتب عشرات الآلاف من المعلمين. وفي كينيا فشلت وزارة التعليم في إطلاق مشروع المدارس الالكترونية (NEPAD e-Schools) لضعف جاهزية خدمات البنية التحتية، مثل خدمات الكهرباء والاتصالات.
  • إهمال مشاركة أصحاب المصلحة. فرض الحل التقني من أعلى إلى أسفل دون مشاركة فاعلة من أصحاب المصلحة يؤدي غالبا إلى فشل المشروع أو بعض أجزائه في تحقيق أهدافه، وهذا ما حدث لمشروع تحويل البث والإنتاج في (BBC) إلى نظام متكامل رقمي (DMI)، إذ ألغي بعد تكبدهم خسائر مالية بلغت نحو 100 مليون جنيه استرليني. وفي الولايات المتحدة، سجل مشروع نظام السجلات الصحية الالكترونية (EHR) في مستشفى (Cedars) فشلا ذريعا لأن الطاقم الطبي أهملوا في تخطيط وتنفيذ المشروع.
  • الاختيار الخاطئ للتقنية أو الشريك التقني، إذ لا يهم سمعة التقنية أو منفذها ما لم تربط بمدى مناسبتها للمشروع وأهدافه. فعلى سبيل المثال، بدأت بورصة الأوراق المالية الاسترالية (ASX) مشروعا في عام 2016 لاستبدال نظام تسجيل وتسوية معاملات الأسهم القديم (CHESS) باستخدام تقنية متقدمة (DLT & Blockchain)، إلا أنها وبعد 6 سنوات من المحاولة والمقاومة قررت إلغاء المشروع بعد إنفاق بلغ 250 مليون دولار أسترالي، والإقرار بأن الحل التقني المختار من قبل الشريك التقني لم يكن مناسبا للمشروع.
  • تجاهل الفئات القليلة أو الحالات الاستثنائية. فلو كان الحل الرقمي مثلا يستند على آليات تحقق حيوية أو رقمية، من الخطأ تجاهل من قد يواجه تحديا مع تلك الآليات، مثل المسنين أو المصابين، كما حدث مع النظام الهندي للتحقق من الهوية الشخصية (Aadhaar)، إذ واجه تحديات في التحقق من الهوية الحيوية (بصمة الإصبع أو العين) أدت إلى استبعاد مواطنين من الحصول على حقوقهم الشخصية. أو يعتمد الحل التقني كليا على توفر أجهزة ذكية ومعرفة رقمية متقدمة لدى جميع المستفيدين، في حين أن هناك من لا يستطيع توفيرها أو يفتقر إلى كيفية استخدامها، وهذا ما كان سببا رئيسيا لفشل مشروع الصحة الرقمية (mHealth) لدى بعض الدول الأفريقية.
  • إطلاق النظام أو الخدمة الرقمية قبل جاهزيتها. فانهيار موقع التأمين الصحي الأمريكي (Healthcare.gov) عام 2013، ونظام حجز رحلات القطار في بريطانيا عام 2018، ونظام التعليم عن بعد في المكسيك عام 2020 يعود للاستعجال في إطلاق النظام التقني على نطاق واسع دون اختبارات شاملة وكافية للأداء والتحمل.
  • إطلاق واسع (Big-bang) بدلا من النشر التدريجي (Phased rollout). الحكمة تقتضي أن يختبر النظام الرقمي على فئة محدودة، لتجريبه قبل تعميمه؛ إذ العمل البشري يعتريه النقص والخلل، وكلما اختبر النظام في بيئات واقعية كلما تنقح وتطهر من الأخطاء التقنية.
  • ضعف إدارة التغيير ومقاومة المستخدمين. وهذا يعود غالبا إلى أسباب متعددة، منها: إهمال مشاركتهم في تنفيذ المشروع، أو صعوبة استخدام النظام، أو تكرر أخطائه التقنية، أو شعورهم بعدم الأمان أو الموثوقية، أو ضعف إدراكهم ووعيهم بأهمية النظام وفوائده. وهذا ما كان سببا في فشل مشاريع متفرقة حول العالم، مثل مشروع (Virtual Case File) في الولايات المتحدة، ومشروع (Universal Credit) في بريطانيا.
  • خرق للخصوصية أو الجوانب الأمنية. إطلاق الأنظمة دون تأمين محكم لخصوصية البيانات أو منع الاختراقات يؤدي إلى فشلها وتسببها في خسائر فادحة. وهذا ما حدث لنظام شركة (Equifax) الأمريكية في عام 2017 حين تسربت بيانات مالية حساسة لأكثر من 147 مليون شخص نتيجة لثغرات أمنية. وفي مثال آخر، تسبب استخدام وزارة الصحة البريطانية (NHS) لأنظمة غير محدثة عام 2017 في هجوم عرف باسم (WannaCry) شل أنظمة المستشفيات؛ مما تسبب في انهيار الخدمات لمئات آلاف المرضى.
التحول الرقمي ليس سباقا مع التقنية فحسب، بل هو سباق مع الفكر والإرادة.

ومن وعى أخطاء الأمس صان نجاح الغد، ومن تهيأ بالعلم والحكمة نجا من التخبط والعثرة. التقنية ليست آفة نخشى سطوتها، ولا عصا سحرية نرجو معجزتها؛ إنما هي أداة ناجعة في يد من يعرف استخدامها، ووسيلة فاعلة في يد من يدرك أبعادها.

فلنصنع من التحول الرقمي منحة لا محنة، ولنحول تحدياته إلى فرصة، وعثراته إلى دروس وعبرة، حتى تكون رحلتنا في مساعيه رحلة نجاح تحكى، لا تجربة إخفاق تروى.

moqhim@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق