قنبلة فضل شاكر - أقرأ 24

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قنبلة فضل شاكر - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 12:52 صباحاً


في الشرق الأوسط، كل شيء يبدو معلقا بين أنين الحرب وصمت المقابر.

سنوات طوال لم يستطع أديب ولا كاتب ولا فنان أن يحررنا فيها من جثمة الخوف والدم والخذلان.

كل محاولة للكتابة، كل لحن، كل أداء، كل لوحة، تصطدم بجدران صلدة من واقع يرفض أن يترك لنا لحظة نقاء أو فرصة لنحيا بسلام.

ما أكثر الحروب، وما أوسع دائرة الخيانات، وما أقسى الجور والخذلان والتهجير والانقسامات التي غطت أعيننا حتى كدنا ننسى معاني السلام والجمال.

أين تلك اللحظات التي كان فيها اللحن يرفعنا إلى عوالم علوية بأرواحنا لا بوقود الصواريخ وقنابل مسيرات توزع الموت؟

أين هو الأدب والفن، الذي كان يزرع فينا رياض الدهشة، والضحكة من القلب، واللوحة تفتح لنا نوافذ سماع ناي الأبدية؟

لقد غاب كل ذلك، بل غيبناه نحن حين سمحنا لجحيم السياسة أن يلتهم أحلامنا ويستنزف عواطفنا.

يحاول بعض المبدعين أن ينقذوا ما تبقى من رميم مشاعرنا، ولكنهم سرعان ما يرتطمون بسدود الواقع، كون الفن أصبح زيفا وبريقا وادعاء وترفا وتكلفا لا يليق بمشاعر المقهورين المنكسرين.

وحتى وإن بلغوا لحظة جمال وحب، فإنهم يكيلونها بمشاعر ذنب وحسرات، وكأن السعادة لم تعد حقا لهم في هذه البقعة المثقلة بالجراح.

ويرمي فضل شاكر من ملجئه بقنبلة تبوح بكلمات وألحان جنية اليمن، بشظايا تناثرت من عسر أحلام هذا الشرق الأوسط الخانق الممزق.

مبدعان من جيل حرم واختبر واستفز وأخرج بالكراهية من أطواره، فوجد نفسه جزءا من شيوع الشرور حينما تترنم مخنوقة في أتون التحديات الظالمة.

لقد عاد ليغني، ويخاطب الوجود بطموح أغنيات عاطفية تحاول إعادة أنفاس خنقها الرماد.

أغنياته انتشرت وسط الهشيم، وخطفتنا لدقائق من أوضاعنا التعيسة المظلمة، تحاول تذكيرنا برومانسية لم نعد نؤمن بها، ولا نستحضرها كما في الماضي.

ألحان عشق نظيف نسينا أنه ممكن، ووجد فيها الشباب ما لم يتذوقوا وسط مرارة الحروب والخيانات.

أغنيات قمة في الروعة والحبك والسعادة والجمال، لكن وقعها عند الأغلبية وقتي، يعودون بعدها مسرعين لإعادة حسابات أشلاء الواقع المتصدع.

الفرح الصغير لا يصمد، وحتى تلك الجملة الأدبية البديعة، واللحن الخرافي، وذلك الصوت العذب وكأنه يصدر من أجوافنا، ويحلق بنا، ويشعل شموعا صغيرة سرعان ما تنطفئ تحت وطأة الظلمة الكبرى.

الفن اليوم صار مرآة مكسورة يشوهها هذا الخراب مهما حاول أصحابها تلميعها، بإصرار على البعد عن الواقع، يتراقصون، ويدعون، ويكررون سخف زيفهم، لنيل الكسب المادي، والفوضى تبتلعهم، فلا نعود نشعر بوجودهم، المشابه لسماجة صراعاتنا الداخلية والخارجية.

الإبداع قتلته الحروب، ولوثته الخيانات، وتماها مع حسرات تظل تثمر المزيد من الشقاء.

ومع ذلك، فإن مجرد خروج صوت فضل شاكر من بين قسوة الركام، وإصراره على الغناء وسط هذه المتاهات، بحد ذاته يظل قنبلة تليق بتناقضات زمننا الباحث عن جوهر الإبداع الحق.

صحيح أن قنبلته لن تضيء عالمنا، لكنها أضاءت القلوب والمدارك لوهلة تحاول كسر قسوة اللحظة، وتذكرنا بأننا خلقنا لنشعر، نحب، نستمتع بما أبدعه الله من جمال، وأن نغير ما بنا، فلا نظل أسرى هذا الليل الطويل.

shaheralnahari@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق