نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعودية الأقوى دبلوماسيا.. من قلب الفوضى إلى صناعة السلام - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 10:17 مساءً
في عالم يضج بالفوضى، ويغرق في صراعات دامية، ظهرت المملكة العربية السعودية لتؤكد أن القوة ليست في امتلاك السلاح وحده، ولا في رفع الشعارات الجوفاء، بل في القدرة على إدارة التوازنات، وتوجيه الأحداث نحو مسار يخدم السلام والعدالة. لم يعد المشهد الدولي يحتمل الأصوات المرتجفة أو المواقف الرمادية، بل يحتاج إلى دولة واثقة، صلبة، قادرة على أن تقود الحوار وتواجه الانحرافات الأخلاقية التي تغرق فيها بعض القوى العظمى، وهنا كان الدور السعودي حاضرا بحزم وهدوء في آن واحد.
منذ بروز رؤية 2030، وضع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أسسا جديدة لدور المملكة على الساحة الدولية. رؤية لا تقف عند حدود التنمية الاقتصادية أو الإصلاح الداخلي، بل تعكس طموحا استراتيجيا في إعادة صياغة موقع السعودية كقوة عالمية مؤثرة. تحت قيادته، تحولت الرياض إلى نقطة التقاء كبرى، تستقطب العالم للحوار، وتفرض احترامها حتى على الخصوم، بما تملكه من ثقل سياسي واقتصادي وروح قيادية مؤمنة بأن الاستقرار العالمي يبدأ من المنطقة التي تتوسط العالم.
وقد تجلت هذه الرؤية بشكل واضح في القضية الفلسطينية، القضية التي حاول الاحتلال الإسرائيلي تحويلها إلى ملف ثانوي أو نزاع هامشي. غير أن السعودية وقفت لتؤكد أن فلسطين ليست ورقة يمكن التلاعب بها، وأن دماء الأبرياء لا يمكن أن تتحول إلى مجرد أرقام في تقارير إخبارية. لقد برزت المملكة كصوت حاسم في المحافل الدولية، تفضح جرائم الاحتلال وتضع العالم أمام مسؤوليته التاريخية. والأهم من ذلك أنها استطاعت أن تقلب موازين القوى الخطابية والسياسية، فبعد أن كانت إسرائيل تحظى بدعم مطلق من بعض الدول الكبرى، أصبح خطاب هذه الدول أكثر حذرا، ومع مرور الوقت أخذت مواقفها تميل إلى إدانة الاحتلال أو على الأقل التشكيك في فلسفته الدموية. لم يكن هذا التحول نتيجة صحوة مفاجئة، بل نتاج عمل دبلوماسي متراكم تقوده السعودية بإصرار.
إن ما يميز الدبلوماسية السعودية أنها لا تعتمد على الانفعال اللحظي أو الشعارات العابرة، بل على خطاب عقلاني مؤسس على القانون الدولي، لكنه في الوقت ذاته مشبع بالبعد الإنساني. وقد جسد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان هذا النهج بشكل لافت؛ ففي كلماته يتحدث بلغة هادئة لكن قاطعة، يواجه الاحتلال بصلابة أخلاقية، ويعيد التأكيد على أن العدالة ليست وجهة نظر، بل قاعدة أساسية لأي نظام عالمي. حضوره المتزن أمام المحافل الدولية جعل من صوت السعودية مرجعا، لا لمجرد مواقف سياسية، بل لضمير عالمي يبحث عمن يقوده وسط التناقضات.
لكن البعد الأعمق في هذا الدور السعودي يكمن في تأثيره النفسي. ففي زمن يغرق العالم في الشك وفقدان اليقين، تقدم المملكة صورة مختلفة: دولة راسخة، لا تنجرف خلف الضوضاء، ولا تتردد في إعلان موقفها مهما كان الثمن. هذه الثقة تنعكس نفسيا على الآخرين، فتخلق نوعا من الطمأنينة بأن هناك من لا يزال يؤمن بالسلام كخيار واقعي، ويثبت أن التوازن لا يعني الضعف، بل يعني امتلاك القدرة على إدارة المعادلات الصعبة. هذه الرسالة النفسية لا تقل أهمية عن الرسائل السياسية، لأنها ترمم ما تهشم في وعي العالم من إيمان بالقيم الإنسانية.
لقد برهنت السعودية أنها قادرة على أن تكون صانعة للسلام، ليس فقط في الملف الفلسطيني، بل في ملفات إقليمية ودولية أخرى. فمن السودان إلى اليمن، ومن أوكرانيا إلى الحوارات الدولية الأوسع، تحركت المملكة لتجمع المتخاصمين، وتعرض نفسها كوسيط جدير بالثقة. هذه القدرة على الجمع بين الأضداد لم تأتِ من فراغ، بل من رصيد طويل من المصداقية، ومن قناعة بأن الحلول العسكرية مهما طال أمدها لا يمكن أن تنتج استقرارا دائما.
وإذا كان البعض يحاول حصر قوة الدول في ترساناتها أو في نفوذها العسكري، فإن السعودية أثبتت أن القوة الحقيقية اليوم تكمن في القدرة على بناء تحالفات، وتوجيه الرأي العام الدولي، والتأثير في القرارات الجماعية. وقد كان موقفها من إسرائيل أوضح دليل على ذلك، إذ حولت القضية الفلسطينية من ملف كاد يُهمش إلى محور رئيسي في النقاشات الدولية، وأجبرت العالم على مواجهة حقيقة أن الاحتلال لم يعد مجرد نزاع محلي، بل تهديد لقيم العدالة والإنسانية.
إن العالم بأسره يشهد اليوم أن المملكة لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل قوة دبلوماسية عالمية. قوة لا تعتمد على الخطاب الانفعالي، ولا تنجر إلى سياسات ردود الفعل، بل تصوغ مواقفها من موقع القيادة والثقة. وبذلك نجحت في أن تعيد للعالم بعضا من إيمانه بأن العدالة ممكنة، وأن السلام ليس حلما بعيد المنال، وأن صوت الحق إذا اقترن بالقوة السياسية والاقتصادية يمكن أن يهز حتى أعتى الأنظمة الدموية.
إن ما تقوم به السعودية اليوم ليس دفاعا عن قضية واحدة فقط، بل هو دفاع عن مبدأ، عن إنسانية مهددة بالتآكل تحت وطأة المصالح الباردة. إنها تؤكد للعالم أن العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية، وأن الإنسانية لا تعرف ازدواجية المعايير. وفي زمن تتلاعب فيه القوى الكبرى بالحقائق، جاءت السعودية لتعيد المعنى إلى السياسة، ولتثبت أن الدبلوماسية، إذا امتلكت وضوح الهدف وصدق الموقف، يمكن أن تكون أقوى من المدافع والطائرات.
وهكذا، تسير المملكة في خط متصاعد نحو ترسيخ مكانتها كأقوى قوة دبلوماسية في هذا العصر، لا لأنها تمتلك الثروة والموارد فحسب، بل لأنها تمتلك الرؤية والقدرة على توجيه البوصلة العالمية. لقد قلبت الموازين، وأعادت صياغة الخطاب الدولي تجاه إسرائيل، ووضعت بصمتها كقوة تصنع التاريخ بدل أن تكتب على هامشه. وفي هذا الزمن المليء بالاضطراب، تبدو السعودية وكأنها البوصلة التي تشير إلى اتجاه مختلف: اتجاه يعيد للإنسان إيمانه بالسلام، ويعيد للعالم إيمانه بالعدالة.
0 تعليق