تحت وطأة الطوارئ يضيع الأمان، ويتشتت الاستقرار، ويغلف الإحباط الأجواء، لتتوحد العيون مع القلوب في البكاء خوفاً من الانهيارات المعيشية المؤلمة التي تترافق مع ذلك، والصدمات التي تتوالى لتقضي على ما تبقى من الاحتمال المتضافر مع انتظار يائس بانقضاء هذا الكرب.. إلا أنه وقبيل أن ينهار كامل الكيان، يشعّ الأمل، بأيدي أناس جبلوا على العطاء، وأخذوا على عواتقهم التفريج والتخفيف، وإغاثة المنكوبين، وفتح القلوب بالاحتواء قبل مد الأيدي بالجود.
وهذا كان مع «ق.م» سيدة خمسينية، لا تعمل، لديها خمسة أبناء، في مراحل دراسية مختلفة، كانوا يقيمون في الدولة، مع زوجها الذي كان يعمل في إحدى الجهات، ويعيلهم بالراتب المتواضع الذي يتقاضاه. لكن مفاجآت القدر لا يمكن توقّعها، أو الاستعداد لها، حيث قرر الزوج بالاتفاق مع الزوجة السفر بمفرده لبلدهما لأيام قصيرة، للاطمئنان على والديه المسنّين.
ولكن وقع ما لم يكن في الحسبان، وما حال دون عودة الزوج.. فبلدهما تعرض لعواصف اضطرابات داخلية، وانغلق على ذاته بمن بقي فيه من أهله، عقب سقوط ضحايا كثر ومصابين، ومعاقين فقدوا أطرافهم بفعل الاعتداءات والتعديات، والحركة التي أحرقت أخضرها ويابسها.
ونظرت الزوجة حولها، لتفجع بنفسها وحيدة مع الأبناء، من دون دخل شهري يمكن ان تسدّ به رمقهم من طعام وشراب، أو رسوم مدرسية ليكملوا دراستهم على مقاعدهم من دون طردهم، أو مقارنتهم وربما معايرتهم بزملائهم المنتظمين في السداد، وكذا نظرت بحسرة مؤلمة، وبفزع لتوقّعها الطرد من مسكنها لعدم دفع إيجاره، بما سيعرضها والأبناء لشرّ فقدان الستر.
ومع مرور الأيام، وحدوث ما توقعته من صعوبة استمرار الأبناء في مدارسهم دون تسديد رسومها، وشظف العيش الذي كانت قسوته تشتد يوماً بعد آخر، مع تنقلها بهم من هذا البيت إلى آخر، حيث أضحوا به جميعاً ثقلاً على الجميع، فقدت الحيلة، وانهارت الحال.
وما بين الأحداث المتفاقمة في دولتها، والعوز الذي وصل إلى حد فقدان أبسط مفاهيم العيش، تنقلت الزوجة في ردهات مشاعر قاسية التفاصيل، فالزوج الغائب لا تدري إن كان حياً أم أنه مات، مع انقطاع الأخبار عنه، والأبناء يبكون أمامها من الحاجة الماسة، ومن افتقاد العائل والسند. وجاء الفرج والعون، في لحظة لم يكن لبصيص من النور موقع فيها، فعندما لم تجد أمامها سبيلاً وملاذاً، سوى مدّ اليد بالسؤال، وصلت قصتها إلى «جمعية الشارقة الخيرية»، فهبت من فورها لمساندتها بجود فاق حد الكرم.
وقال عبدالله بن خادم، المدير التنفيذي للجمعية: تابعنا ملفّ حالة الأسرة منذ سبتمبر 2024 بعد تلقّي طلبها، حيث تبين أن أبناءها خارج الدراسة بسبب العجز عن تسديد الرسوم الدراسية، ما ضاعف معاناتها أمّاً تخشى على مستقبل أبنائها، فبادرنا فوراً بالتكفل برسومهم الدراسية حتى يتمكنوا من العودة إلى مدارسهم ومواصلة تعليمهم. وأضاف: ولم تتوقف المساعدة عند حد التعليم، بل شملت أيضاً إدراج الأسرة ضمن برامج الدعم الإنساني المستمر.
0 تعليق