نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المخططات العمرانية بين الجمود والاستدامة - أقرأ 24, اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 10:17 مساءً
يتصور البعض أن المدينة هي مجرد تصور شكلي لكيان عمراني يقتصر دور المخطط العمراني فيه على وضع مسارات للحركة، وتقسيم الأرض، وتوزيع الخدمات والأنشطة التجارية. كل ما يحتاجه المخطط للقيام بعملية التخطيط - كما يعتقدون - هو قلم رصاص وبعض الأدوات لإنجاز فكرة تحمل معها المدينة أشكالا سداسية أو خماسية أو عضوية ولا بأس من وضع مساحات خضراء أو مسطحات مائية تزيد من التفاعل الاجتماعي. يمكن بناء فكرة مجردة للحي السكني تتخذ شكل مربع مساحته 4 كيلو متر مربع يتكون من عدة مداخل تتوسطها مركز تجاري، وحديقة عامة وخدمات. تتوزع أنماط الوحدات السكانية بناء على اعتماد الكثافة السكانية لتقسيم أراضٍ تتلاءم مع حجم السكان المتوقع. ثم يتم اعتماد هذا النموذج كقالب نموذجي مكرر على مستوى المدينة بالخصائص نفسها، وبغض النظر عن طبيعة الموقع واحتياجات السكان.
بعد الانتهاء من تطوير الفكرة التصميمية يمكن إعطاؤها لرسام يقوم بإدخالها ومعالجتها ثم طباعتها على شكل مخطط عام. وعندما تنمو المدينة ويزداد الطلب على الإسكان والخدمات نتيجة الزيادة السكانية فكل ما نحتاجه هو زيادة المساحة واعتماد المزيد من القوالب النموذجية للأحياء السكنية وكأن المدينة مجرد قطعة قماش تتمدد حسب الحجم المطلوب. وعند اعتماد المخطط يصبح نافذا، وعلى إدارة المدينة تنفيذه كما هو؛ وفي حال وجود إشكالات تنفيذية تقع المسؤولية على إدارة المدينة، فالمخطط الذي رسمه الخبير واضح وعلينا التنفيذ.
إن هذا المفهوم المغلوط عن التخطيط العمراني يتعامل مع المدينة باعتبارها جسما ماديا يتم تشكيله من خلال المخطط الفني الذي يعمل على تقسيم الأرض وتوزيع الخدمات بناء على الكثافات السكانية التي يتم تقديرها.
يتم تنفيذ جميع الأهداف التي نريدها خلال التصميم المادي المحض؛ فإذا كنا نريد تواصلا اجتماعيا نبني ساحات عامة، وإذا كنا نريد مشاة نبني أرصفة، وإذا كنا نريد مناطق خضراء نضعها بكل بساطة على المخطط. بعبارة أخرى، ينحصر دور المخطط في فكرة استيعاب السكان ضمن مساحة أو فراغ حضري مع توفير الخدمات الأساسية. ويصبح دور إدارة المدينة بمثابة المقاول الذي يتوجب عليه التنفيذ وفق المخطط المرسوم دون أي اعتبار لقوى السوق، وتضارب المصالح، ومشاركة المجتمع، والأطر الإجرائية، والبيئة العامة، والثقافة السائدة، وآليات التنفيذ. بعبارة أخرى، تنتهج هذه المخططات الفكر التقليدي من أعلى الهرم إلى أسفله، ويتعامل المخطط مع الموقع وكأنه كيان منعزل عن السياق الحضري.
اليوم، وعلى الرغم من وجود أهداف استراتيجية عليا تؤكد على مبدأ استدامة المدن واعتبارها محركات اقتصادية؛ إلا أن بقايا هذا المفهوم التقليدي لا تزال موجودة وتؤخر من فعالية التخطيط العمراني، حيث أصبح مفهوم الحي السكني لدى البعض مجرد أرض يتم تقسيمها وتوزيعها إلى قطع، مما أفرز نسيجا عمرانيا مكررا ومجردا من الهوية.
علينا أن ندرك أن التخطيط العمراني شهد تحولات من التركيز على الجوانب الفنية والتصميمية إلى تبني منهج شمولي يراعي الأبعاد الاجتماعية، الاقتصادية، والبيئية.
التخطيط العمراني هو عملية متكاملة تهدف إلى تطوير سياسات عمرانية مرتبطة بالأهداف الاستراتيجية الوطنية، قابلة للتنفيذ وملحقة بمخططات تستوعب الإطار التشريعي المحلي لتؤكد على تحسين نوعية حياة المجتمع، وتعزيز الاستدامة، والارتقاء بأساليب المعيشة.
يعتمد التخطيط العمراني على مشاركة المجتمع واستيعاب العلاقات بين المجتمع والبيئة وخلق فرص اقتصادية، والاستشراف المستقبلي بإنشاء أنظمة وتشريعات مرنة تتكيف مع التغيرات السكانية والبيئية.
باختصار، يدعو التخطيط العمراني إلى تحقيق تنمية مستدامة تضمن الرفاهية للأجيال الحالية والمستقبلية بعيدا عن فكرة تصميم مخطط جامد.
0 تعليق